اللي (اختشوا) ماتوا
ما الذي يحدث؟
المتابع لما يحدث يضرب كفيه اندهاشا واستغرابا واشمئزازا في نفس الوقت لما آلت إليه الأمور في هذا البلد الذي أصبحنا نشعر فيه بغربة موحشة ونسأل أنفسنا في كل وقت هل هذا وطن يمكن أن نحيا فيه؟ كيف هو مستقبل أبنائنا إذن؟ أفعلا هذا وطننا؟ أم أن هناك خطأ ما لا ندركه؟ قد تكون قناعاتنا زائفة! أو قد يكون عبد الناصر قد غرر بنا مثلا!!
علي مر التاريخ ومنذ نهابات العصر الفرعوني كان هذا الوطن دوما ملكا لغرباء عنه إلا نادرا ولن أذهب بعيدا فمنذ مائتي عام فقط قام محمد علي الكبير (الألباني) وبمجرد أن آلت إليه الأمور في البلاد بإصدار فرمان تؤول إليه بموجبه ملكية جميع الأراضي في كافة أرجاء المحروسة وعلي من يزرعها أن يسدد له ما قرره من ضرائب لم تكن تبقي للفلاح شيئا يحيا به بل وتراكمت عليه الديون وعذب وشرد ودفن حيا هو وأهله بسببها. ثم انطلق هو وأبناؤه من بعده يهبون الأرض كما يشاءون فهذه (أبعادية) -أبعدت من سجلات الأراضي التي يملكها- لتصبح ملكا لأعوانه ورجال الإدارة والجيش أما الأراضي الجيدة ذات الإنتاج الوفير فهي (شفالك)يهبها لأفراد أسرته بالألوف ومئات الألوف من الأفدنة . كما لم ينسي أن يحسن إلي خدمه وحشمه فيقطع لهم من ملكه (إقطاعيات) متفاوتة المساحة كل بقدره وقد شملت القوائم المصريون والأجانب كما شملت رجال وزوجاتهم واحتوت علي فئات مختلفة نري في بعضها المرضعات والعربجية والسفرجية والحلاقين والطباخين والسائسين والجناينية والحراس والقهوجية , وكان هؤلاء هم من استعبدوا المصريين وعرفناهم بالإقطاعيين الذين ثار عليهم عبد الناصر وثرنا معه .
كتبت هذه المقدمة الطويلة كي أصل الي عبد الناصر وقد كان أول مصري يحكمنا منذ آلاف السنين ومهما حاولت وادعت وجاهدت أبواق النظام الحالي أو الذي يسبقه فلن يستطيع أي منهم أو منا أن ينكر أنه كان وطنيا شريفا مخلصا أفني عمره حبا وخدمة لهذا الوطن محاولا أن يرفع من قدره وقدر ساكنيه فهو كما قال نجم الفاجومي (عمل حاجات معجزة وحاجات كتير خابت وان كان وجع قلبنا كل الجراح طابت) وليته يعود وتعود معه جراحه فقد كنا نشعر معه أننا حقا أصحاب هذا الوطن هو ملك لكل فرد فينا ننتمي إليه ونعتز به ونعمل علي صونه وحمايته والذود عنه ونجد سعادتنا وارتقائنا ورفعتنا علي أرضه وليس سواها .
كانت كلمة أنا مصري تحمل في طياتها مشاعر الكرامة والفخر والتميز ولم يكن أبدا لنفطي أن يقول "تعالي يا مصري" إلا إذا قصد تعالي يا سيدي ومعلمي وآخذا بيدي يعيدا عن هذا التخلف الي حيث النهوض والتقدم. ثم ابتلانا الله وكان بلاؤه شديدا بأنظمة فاقت في غيها وظلمها محمد علي وأولاد محمد علي وكل من ظلم هذا الشعب علي مر العصور وهنا أتوقف لأعيد السؤال مرة أخري أفعلا هذا وطننا؟ أم أن عبد الناصر ضحك علينا ولم يكن هذا إلا حلما استغرق ثماني عشرة سنة واستفقنا بعده علي واقعنا القديم وكأن شيئا لم يحدث! فلقد جاءنا من اعتبرنا إرثا له ولأولاده من بعده يبيع فينا ويشتري ويعتقل كيف يشاء ولا يعوقه عن غيه شيء. وبغية تحقيق مآربه حشد (بلطجيته) ومزوريه وأعوانه ليضمنوا له ولوريثه نهب وامتلاك هذا الوطن الي أبد الآبدين صحيح اللي (اختشوا) ماتوا وبقي اللي ما (بيختشوش) .