الفصل الاول(الرهان)
جالسا امام شاطىء البحر, متأملا اياه , بأمواجه الصافية التى تنحسر موجة وراء موجة , وكأنها سنوات العمر تمضى بذكارياتها , ويا لها من ذكريات , تثقل القلب احيانا بهموم تتمنى معها لو انك عشت حياة اخرى , غير تلك التى عشتها , وذكريات اخرى تتمنى معها لو توقف الزمن عندها للحظات ينعم فيها قلبك بسعادة حقيقية , وها انا ذا...جالسا امام البحر بكل سحره وغموضه واسراره , احكى له ولكم قصتى , ولكنى لست ادرى من اين ابدأ..؟!..ولكن مهلا , لماذا لا احكى لكم البداية الحقيقية منذ ذلك اليوم الذى بدأت فيه الأحداث التى غيرت مجرى حياتى , دعونا نذهب الى هناك , الى ذلك المكان الذى بدأ فيه كل شىء , الى جامعة القاهرة , كلية الاداب , وبمكان خاص يعلم الجميع انه من المحظور الاقتراب منه الا لعدد محدود من الافراد , ورغم ان ذلك كان يثير حفيظة الكثير من الطلبة وتساؤلهم ودهشتهم فى نفس الوقت , الا ان ذلك كله كان يختفى عندما يعلمون قوة وسطوة هؤلاء والتى تنبع من ثقتهم او فلنقل بتعبير آخر غرورهم بما يتمتع به آبائهم من قوة , سواء كانت هذه القوة متمثلة فى المال وسطوته , او فى السلطة وجبروتها , ولأقرب لكم الصورة دعونا نقترب اكثر من هؤلاء , لتعرفوهم كما عرفتهم يوما , ولنبدأ بتلك الفتاة التى تستمع الى محدثها , وفى عيناها تلك النظرة التى تنبئك بعدم اهتمامها بما يقول , ولكنها بين الحين والآخر تمنحه ابتسامة زائفة , حتى لا يشعر بأنها تسخر من حديثه فى اعماقها , دعونا نقترب أكثر من ملامحها, لنتبين ذلك الجمال الصارخ , والذى يتمثل فى خصلات شعرها الذهبى الذى يتألق تحت اشعة الشمس ببريق آخاذ , وعيناها الزرقاوين كسماء صافية فى يوم صحو , وانفها المتناسق مع ملامحها مع ميل بسيط يعطى تلك الملامح بعض القسوة , كانت (هيام) او محطمة القلوب كما يطلقون عليها مثالاً نادراً لجمال آخاذ بروحآ تمتلىء بالشر فى اعماقها , ربما لطبيعة تكوينها , اوربما لنشأتها فى بيت رجل لا يعلم الكثيرون مصدر ثروته , فقد كان موظفا بسيطا مثل الكثيرين ثم فجاة وفى فترة قصيرة اصبح واحدا من اثرياء مصر , وترددت اقاويل كثيرة عن الطرق غير المشروعة التى جمع بها ثروته , اما عن محدثها ذلك الشاب المتأنق , والذى يبتسم ابتسامة لزجة لاتبعث على الارتياح لكل من يراها , فهو(مراد صقر) , واحدا من الشخصيات المعروفة فى الجامعة بقوتها وشراستها , ينبئك بذلك تلك النظرة فى عيناه والتى تشبه بالفعل نظرة صقر ينقض على فريسته , وملامحه التى تجمع فى مزيج مدهش بين السخرية والخبث والدهاء والمكر, كان بذلك يتشابه مع (هيام) فى اشياء كثيرة , حتى البيئة التى نشأ فيها , ولكن مع اختلاف بسيط , فقد كان والده تاجرا صغيرا عاش طوال حياته يحلم بالثراء السريع , مهما كانت الوسيلة التى يتبعها للوصول الى ذلك الثراء , كان رغم اميته يتبع المبدأ الميكافيلى الشهير(الغاية تبرر الوسيلة) , حتى صار اشهر المحتكرين لواحدة من اهم السلع الحيوية فى مصر , وقد عمل طوال الوقت على تنشئة ابناؤه على نفس المبدأ , لذلك كان (مراد) يصل لما يريد دائما مهما كانت وسيلته فى ذلك , لذلك كان يشعر طوال الوقت بانه زعيم تلك المجموعة من الاثرياء , حتى مع (هيام) كان يشعر انه يمتلكها , وربما كان هذا صحيحا لفترة طويلة , حتى اتى من ينتزع منه تلك الزعامة , وربما كان هذا محور حديثه مع (هيام) فى ذلك اليوم , فقد التفت اليها وعلى شفتيه تلك الأبتسامة الساخرة قائلا : لقد تأخر صديقك..!.
بادلته(هيام) بابتسامة مثلها قائلة : اولا هو ليس صديقى , انه حبيبى , وانت تعلم ذلك جيدا , ثانيا انه لا يتاخرابدا عن ميعاده..وانت تعلم ذلك ايضا.
نظر اليها (مراد) وفى عيناه نظرة بغض قائلا : اعلم.
"يروادنى شعور خفى بأنكم تتحدثون عنى"
انبعث ذلك الصوت القوى من خلفهما فجأة , فالتفتا ليجدا (احمد زيدان) ابن رجل الأعمال الشهير, بابتسامته الواثقة , وملامحه التى تمتزج فيها الوسامة بالقوة , بشعره الأسود الفاحم وعيناه التى تتألق ببريق يبعث الرهبة فى كل من يراهما , وجسده القوى المتناسق , وعندما التفت اليه (مراد) , لمح (احمد) فى عيناه تلك النظرة التى تمتلأ كرها , وان سارع(مراد) باخفائها فى اعماقه , لتحل محلها نظرة تحدى , فبادله (احمد) نفس النظرة وان حملت لمحة ساخرة, اما (هيام) فقد تألقت عيناها واندفعت تصافحه فى حرارة مفتعلة , و...
"عندى لك اليوم تحدى جديد"
قالها (مراد) والغيرة تكاد تقتله , فابتسم (احمد) ابتسامة ساخرة قائلا : حقاً..؟!.
تألقت عينا (مراد) ببريق تحدى وهو يقول : نعم حقا..وسأراهن هذه المرة بكل ما لدى.
تحولت ابتسامة (احمد) الى ضحكة عالية وهو يقول : ولكن حذارى هذه المرة ياعزيزى (مراد) فأنت دائما تخسر امامى.
غمغم (مراد) بدهاء شديد : الا هذه المرة ياعزيزى (احمد) , فأنا متأكد اننى من سيضحك اخيرا , ثم اننى سأراهنك هذه المرة على الزعامة نفسها , فأما ان افوز وتعترف لى بالزعامة , او تفوز انت وسأعترف لك ساعتها بزعامتك لنا واصبح مجرد تابع لك , ما رأيك؟.
تركزت اعين الجميع على (احمد) , منتظرين ردة فعله , الا (هيام) فقد كانت متاكدة من انه سيقبل الرهان , اما (احمد) نفسه , ورغم انه لم يكن يحتاج لأثبات زعامته , الا ان روح التحدى فى اعماقه , كانت تدفعه لقبول الرهان , فقد تعود او فلنقل بمعنى ادق نشأ على الا يخسر ابدا مهما كانت الظروف او العقبات , لذا فقد نظر الى (مراد صقر) نظرة ثاقبة وهو يغمغم فى ثقة : رغم انى لا احتاج لمثل هذا الرهان لأثبات زعامتى , الا انى سأقبله , والآن هل ستخبرنى عنه , ام اننا سنقضى الوقت فى حديث لا طائل منه.
تألقت ملامح (مراد) فى غموض وهو يقول بمكر: انت تعلم بالتأكيد عن تلك الشجرة الضخمة والتى تحتل جزءاً كبيرا عند ذلك المكان المنعزل من كليتنا و...
قاطعه (احمد) بسخرية : ماذا؟..هل تريدنى ان اقتلعها من مكانها لأثبت لك زعامتى؟.
قهقه (مراد) ضاحكا بخبث وهو يقول : لا ياعزيزى (احمد) , انما اريدك ان تقتلع قلب من يجلس خلفها.
ارتسمت ملامح الحيرة على وجه (احمد) وهو يتسائل : من يجلس خلفها؟!.
ابتسم تلك الابتسامة اللزجة التى تميزه وهو يقول : نعم ياصديقى , فهناك خلف تلك الشجرة , تجلس فتاة ما , ممسكة بكتاب ما , تقرأ فيه طوال الوقت , ولا احد يعلم عنها شىء تقريبا , حتى انا نفسى حاولت كثيرا معها , فلم افلح , ورهاننا سيكون على تلك الفتاة , فاذا نجحت فى جعلها تتعلق بك , فى فترة زمنية نحددها معا , تكون قد ربحت الرهان , وفزت بالزعامة , اما اذا خسرت...
وصمت(مراد) قليلا , وان شفت ملامحه عما يريد قوله , فاندفع (احمد) قائلاً : لا تقلق نفسك انت بإمكانية نجاحى من عدمه ولكن قلى اهذه كل معلوماتك عنها؟.
اجابه (مراد) بسرعة وكأنه كان يتوقع السؤال : نعم للأسف.
فكر (احمد) قليلا , ثم قال وفى عيناه نظرة تحدى : فليكن..اننى ارهانك اننى وخلال اسبوع واحد سأجعل هذه الفتاة تعترف امامكم جميعا بحبها لى.
ابتسم (مراد) بخبث وهو يقول : الا تحتاج لفترة اطول ياعزيزى (احمد) , اذ ربما...
قاطعه (احمد) فى صرامة : قلت اسبوع واحد يا (مراد).
وهنا ابتسمت (هيام) فى سخرية , فعلى الرغم انها لم تشترك فى حوارهما , ورغم ان ذلك الحوار او اذا شئنا الدقة الرهان كان على فتاة اخرى , الا انها كانت تعرف (احمد) جيدا , وتعرف انه سيفوز فى النهاية , وربما بدا ذلك غريبا , بالنسبة لفتاة تعرف ان حبيبها يراهن على حب فتاة اخرى له , لكنها كانت من ذلك النوع النرجسى الذى اذا احب كان حبه حب امتلاك , لذلك لما تكن تخشى ان يضيع (احمد) منها يوما , وقد اختبرت ذلك بنفسها , ولكنها لم تكن تعلم ما يخبئه القدر له هذه المرة , لم تكن تعلم ان القصة لم ولن تنتهى عند ذلك...الرهان.